حركة إيرا من رحم الأدمغة

بقلم محمد محفوظ

في مطلع 2008 ولدت حركة إيرا من رحم أدمغة عاشت البؤس وذاقت مرارة الحرمان وعداوة الاستعباد وألم الإقصاء والعنصرية والطبقية في أرض سالت عليها دماء آبائها وأمهاتها دفاعا وذودا عن الكرامة والأرض والوطن، انبثقت آنذاك بأفكار جديدة وورؤية ثاقبة وخطاب مغاير لخطاب الحركات اللاتي سبقنها حتى وصفه البعض بالراديكالي والآخر بالعنصرية لأنه يسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقة دون لف أو دوران ولا مجاملة في القضية والوطن، بدأت إيرا اول سجال لها من الأنظمة الحاكمة والمجتمع بكل أصنافه بتحرير بعض العبيد الذي تطلب تحريرهم من عبودية الأسياد وقتا وتضحية كبيرة وروحا نضالية فريدة من نوعها دخل منضاليها السجن ونكل بهم وشيطنتهم الدولة والمجتمع واتهموا بأبشع الاتهامات كما وصفوا بأسوءها وارخاها، حركت إيرا مياه نضال المستضعفين ولحراطين خاصة وضخت فيه روحا ونفس جديد تمثل في الوقفات والاعتصامات والمسيرات الأسبوعية، توالت أيام النضال ومجهودات المناضلين مما دفع بالقضية إلى الأمام وزاد من وتيرتها وأغضب ملاك العبيد ومن على شاكلتهم من العبيد، أصبحت المجيدة حديث الساحة في البيوت والأسواق والمقاهي وشبكات التواصل الاجتماعية ومواقع الخزي والعار التي تقود الحملات ضدها. قطعت أشواط ثلاثة سنين وجاء الحدث الأبرز والنقطة الأهم والضربة الفاصلة والفعل العظيم حين توكل زعيمها وقائدها بيرام على ربه وحرق ماتسير من كتب النخاسة الممنهجة للاستعباد والطبقية والتي حرقت العبيد قرونا من الزمن، كان يوما عظيما ومنعرجا حاسما في الصراع الديني بين الحق والباطل استدعيت جل القنوات الإعلامية الملحية والدولية ومعها جمع غفير من الإيراويين كان ذلك في يوم الجمعة وبعد صلاتها والخطاب التفصيلي والتأصيلي لحرق هذه المتون أُشعل بل حُرقت لتحرق في عقول المسلمين الاستعبادين منهم والعبيد ولتعم الحرية لكن كان لابد له من ضريبة يدفعها الفاعل وطبعا حدث لذلك، الشرطة بكل قوتها تحاصر منزل الزعيم وكل مداخل الرياض لتقمعه بعد أن أطلقت عدة رصاصات فوق منزله لترهيب المواطنين بيرام يخرج اليها واثق الخطى بطلا يردد هذه الكلمات التي أحزت في ""ها أنا أمامكم أطلقوا علي النار هيا هيا هيا"" أخذوه ليركُبَ معهم في السيارة المتجهة نحو جهة مجهوله ركب وركض ورائه طودان عظيمان باسلان أحدهم يدعى عابدين معطل والآخر يعقوب جارا، رافضين التخلي عنه وتركه يذهب لوحد، ذهبت بهم الشرطة مكرهة ورمت بكل واحد منهم في زنزانة لا يعرها الآخر وعادت غدا صباحا لتجمع باقي المتهمين في هذه القضية كما جمعت رجال الدين شعوبها وتوجهت نحو القصر الرئاسي طالبة الإعدام لهذا الإنسان ورفاقــه كانت أيام تاريخية صعبة جدا المعتقلين في مفوضيات الشرطة يآثرون الاستبسال والصمود في وجه هجمة بيظانية ممنهجـة عليهم هندستها الدولة وقادها الإعلام ونفذت بعض أجندتها رجال الدين بمساعدة من شعوبها المخضرة يقول الرفاق الذين كانوا في المعتقلات أنهم وضعوا أمامهم تلفاز وزادوا صوته ليسمعوا هم ما يقال ويروا ما يفعل من أجل القضاء عليهم، بعد أسابيع توقف كل شيئ وعادت حليمة إلى مدرجها الأزرق، لا مسيرة تذكر ولا حشود لـأن الشعب فهم ذلك والضعفاء من لحراطين استوعبوا الدرس باكرا وفهموا أنها هجمة عنصرية من أجل الدفاع عن موروثِ ملاك العبيد المبرر لجرائمهم، الطبقة الكادحة المتمثلة في الحمالة وبائعات الخضروات والكسكس والجزارة والمزارعين وقفوا بكل شجاعة وبسالــة وحشود ضخمة أمام تلك النوايا الشريرة والسيئة التي كانت تستهدف أملهم بيرام رأس الحربة، ملؤوا شوارع أنواكشوط حتى شعر النظام بخطورة الأمر وانه قد يتحول الى ثورة شعبية ضده، بعد هذا بأسابيع بتَ القضاءهم الأعرج في القضية وقرر محاكمة بيرام ورفاقه عقدت الجلسة الاولى فأسقطت فيها كل التهم وبرؤوا من طرف المحكمة لكن النظام أبى أن يطلق سراحهم واعادهم الى السجن، وواصلت الجماهير الإيراوية ضغطها ومظاهراتها لعدة أشهر من الصمود وتحمل الأذى خرج بيرام و رفاقه مرفوعين الرؤوس ووراءهم ما يزيد على الالف من البشر تهتف بأسمائهم والمجد الذي صنعوا والحاجز الذي كسروا. هنا كانت نقطة التحول في نضال لحراطين وتاريخ هذا الوطن حين تعرت المؤسسة الدينية وعلماء هذا الوطن وفقهائه والنخبة والشعب المسكين الذي كان يؤمن بالخرافة والسراب...والفاعل كان بيرام